
في عالم يتطلب من النساء مضاعفة الجهد لإثبات الذات، استطاعت نورة يوسف بوخليفة أن تشق طريقها بهدوء وثقة، حاملةً شغفها العميق بالإعلام والتسويق والعلاقات العامة. منذ أن بدأت أولى خطواتها المهنية في قناة الجزيرة بعد تخرجها، أيقنت أن هذا المجال ليس مجرد وظيفة بل منصة للرسائل التي تؤمن بها، ومساحة للتأثير الحقيقي في المجتمع. تدرّبت وتعلمت إلى جانب إعلاميين مخضرمين،وتقول إن هذه المرحلة كانت بمثابة حجر الأساس الذي صقل شخصيتها المهنية، وكشف لها عن شغفها الفعلي بالإعلام والعلاقات العامة.
لم يكن الطريق مفروشًا بالورود، فكما تقول نورة، واجهت العديد من التحديات، كان أبرزها كسر الصورة النمطية عن الفتاة القطرية في سوق العمل، خصوصًا في مجال الإعلام الذي لا يزال في كثير من أجزائه يهيمن عليه الذكور والأجانب. شعرت أن عليها أن تبذل جهدًا مضاعفًا لتثبت أنها قادرة على الإنجاز وتحمل المسؤولية، وكان من أصعب المواقف أن تكون المرأة الوحيدة، أو القطرية الوحيدة، في غرفة الاجتماعات. لكنها، رغم كل شيء، بقيت مصرة ومؤمنة بأن وجودها هناك ليس فقط مستحقًا، بل ضروريًا لفتح الطريق لمن بعدها.
في بداية مسيرتها المهنية، استهلكها الشغف والطموح إلى درجة أنها كرّست كل وقتها للعمل، على حساب حياتها الشخصية. لاحقًا، تعلمت أهمية التوازن، وأن العمل لا ينتهي، لكن النفس تحتاج إلى استراحة، والعائلة لها حق، والحياة الاجتماعية جزء من الصحة النفسية والنجاح المهني المستدام. بالنسبة لها، التوازن لا يعني التراجع، بل إعادة ترتيب الأولويات بذكاء.
تلقت نورة دعمًا كبيرًا من أسرتها، وخصوصًا من والدتها التي لعبت دورًا أساسيًا في منحها الثقة. لا تنسى جملة سمعتها من والدتها بعد إحدى المحافل الاجتماعية عندما قالت لها: «كل من يراني يقول لي: أنتِ أم نورة.» بالنسبة لها، كانت هذه العبارة شهادة فخر من نوع آخر، دليل على أن تأثيرها يتجاوز الإنجازات الظاهرة.
تجربة نورة المهنية مرت بمنعطف حاسم، حين كانت تعمل في منصب كبير بإحدى الجهات المرموقة في الدولة. حينها، تعاونت مع شركات دعاية وإعلان عالمية، لكنها فوجئت بأن الأفكار المقدّمة رغم جودتها، لم تكن ملامسة للهوية المحلية، كانت تبدو مترجمة ثقافيًا أكثر من كونها نابضة من البيئة القطرية. تلك اللحظة، كما تصفها، كانت لحظة تحول. شعرت أن هناك فجوة في السوق المحلي، فقررت أن تكون هي الجواب. استقالت من وظيفتها الآمنة وبدأت مشروعها الخاص، ليس حبًا في تأسيس شركة، بل إيمانًا بوجود حاجة مجتمعية لسد هذا النقص.
الخطوة لم تكن سهلة، فالانتقال من وظيفة مضمونة إلى ريادة أعمال محفوفة بالمخاطرة، لم يكن قرارًا يلقى ترحيبًا عامًا، لكنها كانت ترى شركتها في مخيلتها قبل أن تصبح واقعًا. لم تكن تفكر في الربح الشخصي، بل في الأثر، وكانت ترى أن السوق بحاجة إلى صوت محلي يعرف كيف يخاطب جمهوره بلغته وثقافته. وهكذا ولدت شركتها، التي أثبتت نجاحها بمرور السنوات، وأصبحت اليوم من الجهات التي تصنع الفارق في الحملات الإعلامية الموجهة.
تؤمن نورة أن تجربتها قد تلهم فتيات أخريات، وتؤكد أن النجاح لا يتطلب سوى شغف حقيقي، وطموح لا يخشى الفشل، واستعداد للتضحية وتجاوز الخوف. تقول إن الخوف من الفشل هو الحاجز الأكبر أمام كثير من النساء، وإذا تم تجاوزه، تبدأ الحياة بتقديم فرص لا تُعد.
تتمسك نورة بقيم راسخة تعتبرها عماد مسيرتها المهنية، مثل الأمانة والصدق. ترى أن هذه القيم ليست فقط مبدأ أخلاقيًا، بل استراتيجية نجاح. تؤمن بأن التعامل الصادق مع العملاء، وعدم استغلال ميزانياتهم، حتى إن كان ذلك على حساب مكاسبها الشخصية، هو ما يخلق الثقة ويصنع علاقات عمل طويلة المدى.
وتفخر نـــــورة بإنجازاتها التي قـــد لا تكون جميعها مرئية للعامة، لكنها ترى أثرها في أماكن كثيرة. من بينها تكريمها من صاحب السمو الأمير، حيث كانت أول فتاة قطرية تُكرم على منصة “سيف سمو الأمير” – لحظة شكلت علامة فارقة في حياتها، ليس فقط لأنها صعدت المنصة، بل لأنها فتحت الباب لقطريات أخريات.
كما تعتز أيضًا برؤية موظفيها السابقين، الذين عملوا في شركتها، وقد أصبحوا اليوم يعملون في أهم المؤسسات في الدولة. ترى في ذلك جزءًا من رسالتها: أن تكون من يُعدّ الآخرين للانطلاق، لا فقط أن تبني لنفسها.
تعتقد نورة أن المرأة القطرية دائمًا كان لها دور، حتى وإن لم يكن ظاهرًا في الإعلام. كانت الأم والمعلمة والمربية، واليوم أصبحت الوزيرة والمهندسة والإعلامية، لكنها لم تبدأ للتو، بل استمرت وتطورت. ترفض مصطلح «اختراق» المجالات الذكورية، وتؤمن بأن لكل من الرجال والنساء مجالات يتألقون فيها بطبيعتهم وقدراتهم المختلفة، ولا ترى في الأمر منافسة، بل تكامل.
ترى أن شغف الإنسان هو الذي يجب أن يوجهه، وليس فقط الأمان الوظيفي، لأن التفكير المحدود داخل إطار الوظيفة قد يعيق الإبداع. كما تشجع على التفكير في الفجوات المجتمعية، وتحويلها إلى فرص عمل، سواء بوظيفة أو من خلال خلق وظائف للآخرين.
تقدّم نورة رؤية مغايرة لمفهوم الدعم الحكومي لريادة الأعمال، وتعتقد أن السؤال يجب أن يُطرح بالعكس: ماذا يمكن أن نقدم نحن لحكومتنا؟ تؤمن أن المبادرات الذاتية، والتفكير خارج الصندوق، هي ما يخلق البيئة المناسبة للنمو، وليس انتظار المساعدة.
نصيحتها الأخيرة للنساء القطريات الطامحات للقيادة: لا تخافي من الفشل. الفشل ليس نهاية، بل بداية تعلم جديدة. وإذا فقدتِ قيمك في الطريق، فقدتِ نفسك. ابحثي عن شغفك الحقيقي، لأنه هو ما يمنحك الطاقة لتكملي، واللذة التي تذوقينها مع كل إنجاز.
بهذه الرؤية، وبروح مليئة بالشغف، تواصل نورة بوخليفة بناء تجربتها في الإعلام وريادة الأعمال، وتستمر في رسم طريقها الذي لا يكتفي بالنجاح الشخصي، بل يفتح أبوابًا لنساء قطر من بعدها.