
في بيئة محافظة تسير على إيقاع العادات والتقاليد، قررت خديجة بوحليقة أن تكون صوتًا مختلفًا. لم يكن هدفها مجرد أن تشق طريقًا شخصيًا للنجاح، بل أن تصبح نموذجًا ملهمًا للفتيات القطريات، وأن تترك أثرًا في المجتمع يُبنى عليه. بدأت رحلتها عندما شعرت بالمسؤولية تجاه أختها الصغرى، وأرادت أن تكون قدوة لها. في ذلك الوقت، لم تكن هناك فتاة من محيطها تظهر في وسائل التواصل الاجتماعي أو تسافر للعمل مع فرق مختلطة من الشباب. لكنها لم تخشَ نظرة المجتمع، بل تحدّته بلطف وذكاء، وكسرت النمط، لتصبح أول من يُحدث تلك الهزة الخفيفة في مفاهيم المألوف.
نشأت خديجة في منزل لا يفرّق بين الذكور والإناث، وكانت الوحيدة بين أربعة إخوة، مما منحها قدرة على فهم كلا العالمين: الذكوري والأنثوي. أدركت مبكرًا أن الذكور يتفوقون في بعض المهارات العملية، ولكنهم يفتقرون في الغالب إلى الذكاء العاطفي، وهو ما بدأت هي في تطويره واستخدامه بذكاء داخل بيتها، ونجحت في لعب دور الوسيط والدبلوماسي الصغير بين إخوتها ووالدها. تلك المهارة أصبحت لاحقًا من أبرز الأدوات التي ساعدتها في حياتها المهنية، وصقلتها في التجارب التي خاضتها لاحقًا.
في عمر الثامنة عشرة، أنهت دراستها الثانوية، والتحقت بالجامعة الأمريكية في الشارقة، وهناك بدأت تُبرز شخصيتها القيادية، فقررت الترشح للانتخابات الطلابية، وكانت أول فتاة قطرية تقدم على هذه الخطوة في ذلك السياق، وهو ما شكّل صدمة للجميع. لم تملك شبكات معارف ولا «واسطة»، لكنها اعتمدت على إصرارها وقدرتها على إقناع الآخرين. طبعت صورها بنفسها ووزعتها، ودخلت في حملات داخل الجامعة بلغة العاطفة والتأثير، ونجحت في الفوز بمنصب قيادي، لتترك بصمتها الأولى في مجال القيادة والتمثيل الطلابي.
بعد نجاحها في الشارقة، سافرت إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراستها، وهناك شعرت في البداية بالملل والغربة، لكنها سرعان ما وجدت طريقها عبر تأسيس نادٍ طلابي باسم «UNICEF» مع مجموعة من الطلبة من جنسيات متعددة. طرحت فكرة مبتكرة لجمع تبرعات لبناء بئر في إفريقيا، واستطاعوا خلال شهر واحد جمع 45 ألف دولار من خلال حملات شراكة مع المقاهي، حيث أقنعوا أصحابها بالتبرع بأرباح ساعة الذروة لصالح المشروع. لم يكن النجاح المالي فقط هو الإنجاز، بل التجربة بحد ذاتها: القيادة، التفاوض، التنسيق، والنجاح الملموس.
استثمرت خديجة هذه الخبرة في بناء علامتها الخاصة، فقدّمت عروض أزياء في كوريا لعرض العباءة والبشت العربيين بطريقة حديثة. كان ذلك جزءًا من وعد قطعته على نفسها أمام جدها الراحل، أن تنقل اسم العائلة إلى العالمية، وهو ما تحقق حين رُفع اسم «بوحليقة» في أسبوع الموضة بأمريكا. وتحوّلت تجربتها في التصميم من شغف إلى مشروع تجاري، يُعيد تقديم الهوية القطرية بأسلوب عصري إلى العالم.
وعندما عادت إلى الدوحة، أسست مشروع «H.E.N.K.S Garden»، وهو أول محل قطري في مجال الزهور تُديره نساء قطريات بالكامل، وافتتحوه في يوم «الفالنتاين»، ما أحدث ضجة اجتماعية كبيرة. البعض استهجن وجود خديجة خلف «الكاونتر» باعتبارها فتاة قطرية، لكنها ردت بابتسامة وقبّلت رأس امرأة كبيرة في السن قالت لها ذلك، وأوضحت أن ما تفعله رسالة للمجتمع، بأن العمل الميداني لا ينتقص من قيمة المرأة، بل يزيد من حضورها وثقتها.
لم يكن العمل التطوعي غائبًا عن مسيرتها، فقد بدأت فيه منذ عمر 16 سنة، متحدية القيود القانونية بفضل إصرارها ومكانة أخيها. ومن أبرز محطاتها في هذا المجال كان عملها كمرافقة للوزير حمد الكواري أثناء استضافة قطر لمؤتمر أممي،