الفتون الجناحي “من ريشة الطفولة إلى ريادة الفن والمشاريع في قطر”

في قلب المشهد الفني القطري، تبرز الفنانة الفتون الجناحي كأحد الأسماء التي استطاعت أن تجعل من الموهبة طريقًا للإنجاز، ومن الإصرار منهجًا للنجاح. بدأت رحلتها في سن مبكرة، حيث وجدت في الفن ملاذًا خاصًا منذ الطفولة. تقول الفتون: «بدأت أرسم في عمر ثمان سنوات، وكان والدي –رحمه الله– هو أول من احتضن موهبتي. كان يملك مرسمًا أقضي فيه معظم وقتي، وشجعني على المشاركة في المسابقات الفنية منذ الصغر، مما غرس فيّ الثقة والإصرار.»

ومع مرور الوقت، أدركت الفتون أن موهبتها أكبر من مجرد هواية، فاختارت دراسة التربية الفنية رغم الاعتراضات التي كانت تتكرر من المحيطين بها، حيث كان يُنظر إلى الفن على أنه مجال محدود المستقبل. لكنها قررت أن تثبت العكس، وأن تجعل من الفن مشروعًا متكاملاً يحمل في طياته فرصًا لا حدود لها. وفي مرحلة لاحقة، غيّرت تخصصها في الماجستير إلى الإدارة التنفيذية، لتضيف إلى مهاراتها الفنية خلفية إدارية فتحت أمامها آفاقًا جديدة.
تؤمن الفتون بأن الفن ليس مجرد ألوان تُسقط على ورق، بل هو عمق وشعور ورسالة. «كنت أسمع كثيرًا أن مستقبل الفنان ينحصر في التعليم، لكني كنت مؤمنة أن الرسم يمكن أن يتوسع ليشمل مشاريع، هويات بصرية، تصميم داخلي، وغيرها. كنت مصممة أن أثبت أن الفن ليس شيئًا هامشيًا بل قوة منتجة في المجتمع.»
البيئة القطرية، كما ترى، لعبت دورًا مهمًا في دعم الفنانين المحليين. «قطر اليوم تحتضن الفن في المتاحف، الفعاليات، ودعم المواهب الشابة، وهذا منحني دفعة كبيرة في بداياتي. لكنني لا أؤمن بالبقاء في نفس المرحلة، كان لا بد من التطور والانتقال من المشاركة في فعاليات إلى بناء مشاريع فنية حقيقية.»
ورغم دعم البيئة، تشير الفتون إلى أن ما ينقص الفنان هو الإدماج الحقيقي في المشاريع التنموية، وليس فقط الحضور في الفعاليات. تقول: «أنا لا أؤيد فقط الظهور في الفعاليات للرسم، أرى أن الفنان يمكن أن يكون جزءًا من المشاريع كمصمم ومبتكر. لدينا مواهب قادرة على الإسهام في مجالات مختلفة، ويجب استثمارها بطريقة أعمق.»
على صعيد التحديات، واجهت الفتون العديد منها، وكان أبرزها الضغط الزمني وتعدد المهام. لكنها اعتبرت أن هذا التحدي جزء من الرحلة: «كنت دائمًا أتحدى نفسي في الوقت. أحرص على أن أكون مواكبة، موجودة، وألحق بجدول مشاريعي. والتحديات لا تنتهي، فهي دليل على أنك تعمل وتنتج.»
أما وسائل التواصل الاجتماعي، فتقول إنها تجاوزت مرحلة التأثر بها. «في السابق كانت تؤثر عليّ كثيرًا، لكن اليوم لدي قاعدة جماهيرية تعرفني وتتابعني. أستخدم السوشال ميديا كأداة لنشر مشاريعي فقط. لم أعد أنتظر منها التقدير، بل أركز على أن يكون عملي هو الذي يتحدث عني.»
من أهم التحولات في مسيرتها، هو انخراطها في مجال ريادة الأعمال، حيث افتتحت مؤخرًا مشروعًا جديدًا في مجال المخبوزات. «المخبز كان مختلفًا عن باقي مشاريعي، لكنه جذبني لأنه جديد ومليء بالتحدي. الآن أركز عليه تمامًا، ولا أفكر في بدء مشروع جديد حتى يثبت هذا المشروع نفسه.»
في خضم انشغالاتها، لا تزال تحتفظ بعلاقة حميمة مع الرسم، وتعتبره ملاذها الخاص وقت الضغط. «الرسم بالنسبة لي كان دائمًا نوعًا من العلاج. عندما أمر بفترة توتر، أعود للرسم كوسيلة لاستعادة التوازن. هو المتنفس الأول لي، منذ بداياتي وحتى اليوم.»
وحين سُئلت عن حلمها الأكبر، أجابت بتواضع وطموح: «أحلم أن تتحول مشاريعي إلى إرث عائلي يديره أطفالي. أحب أن أراها تنمو وتكبر، وتُكمل طريقها جيلاً بعد جيل. لا أستعجل، فكل شيء يأخذ وقته لكي ينجح.»
أما عن نصيحتها للفنانين الشباب، فقد جاءت صادقة ومباشرة: «اعرفوا قيمة فنكم. لا تقبلوا بأي فرصة تقلل من مستواه. الرسم ليس مجرد خطوط، هو إحساس، وقت، وتركيز. عاملوه كما تعاملون أنفسكم، باحترام.»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *